تقرير عن العولمة الثقافية
العولمة الثقافية
العولمة الثقافية
التمهيد:
لعلنا لن نستطيع أن نلج في عباب هذا الموضوع المثير ذي الأمواج المتلاطمة من الآراء والأفكار قبل أن نعرف العولمة، ونتعرف على نشأتها ؛ فإن هذه المعرفة تيسر لنا إدراك حقيقة العولمة الثقافية التي نحن بصدد الحديث عنها، والوقوف على أبعادها الفكرية والاجتماعية.
تعريف العولمة :
في اللغة : كلمة عولمة مصدر قياسي على وزن ( فوعلة ) مشتق من الفعل الرباعي ( عولم ) من العالم، مثل : حوقل حوقلة، وهي كلمة تدل على التغير والتحول من حال إلى حال.
وفي الاصطلاح : العولمة مصطلح جديد، له عدة مترادفات، هي الكوكبة والكونية الشاملة.
هذا المصطلح لم يكن له وجود قبل منتصف عقد الثمانينيات الميلادية ؛ إذ أنه قبل هذا التاريخ لم يكن له حضور خاص ؛ بل إن قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة أشار إليه لأول مرة عام 1991م واصفًا إياه بأنه من الكلمات الجديدة التي برزت خلال التسعينيات، ثم إنه لو كان موجودًا فيبدو أنه لم يَسْترع أي اهتمام أو انتباه، أو أنه كان يعامل معاملة الكلمات العابرة التي لا تشير إلى مفهوم خاص أو واقع خاص ؛ لكن الحال تغير بعد التسعينيات حيث بدأ يتكون له مفهوم لم يستقر بعد، وصار من أكثر المصطلحات تناولا وتداولا ونقاشًا[1][1].
ومع هذا التداول المتزايد لا بد من الاعتراف من أن العولمة من حيث الواقع تمثل ظاهرة سياسية واقتصادية وثقافية ؛ بل واجتماعية غير محددة المعالم، وغير مجمع على صورتها، ولا مجمع على هيمنتها ؛ ولكن يراد لها أن تكون سمة هذا العصر، ومصير الشعوب، وهذا يعود إلى كونها في الأصل تواري خلفها نظامًا خفيًّا على الشعوب ؛ بل حتى على العلماء والمفكرين، هذا الخفاء هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تباين تعريفات العولمة، وتضارب الآراء حول تحديد مفهومها حتى بين أصحاب الاتجاه الواحد ؛ وقد تجاوز هذا الاختلاف صورة التعريف إلى حقيقة ما تعنيه العولمة على وجه التحديد، بالإضافة إلى سبب آخر هو كون هذه التعريفات صيغت متأثرة بانتماءات أصحابها السياسة والفكرية، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال إمعان النظر في تعريفات العولمة الآتية :
* هي : اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد، تقوده في الغالب قوة واحدة.
* أو هي بعبارة أخرى : استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم.[2][2]
* أو هي : تحويل العالم إلى قرية واحدة يتحكم فيها نظام رأسمالي واحد، يلزمها بالتخلي عن ديانتها وقيمها وحضارتها شرطًا لتحقيق النجاح في مجال تنمية الاقتصاد والسوق وجودة الأسعار.[3][3]
أو هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش[4][4]
* أو هي مصطلح لما يدار من قبل السياسات الاقتصادية والتفاعلات المالية والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين الذين يضمون دولا كبرى وشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات دولية عملاقة [5][5]
* أو هي : سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على نطاق كوني [6][6]
ومن تأمل هذه التعريفات واستقراء مدلولاتها يتبين لنا أن العولمة شاملة لكل النواحي النظرية والعملية وإن ظهرت في صورة معينة أو شكل محدد، وأنها ذات أبعاد متعددة ومستقبلية تتناول كل الشعوب، وتتجه نحو الهيمنة على المستقبل.
نشأة النظام الجديد ( العولمة ):
بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين أمريكا والاتحاد السوفييتي التي دامت أكثر من 45 سنة، وإن لم يحدث بينهما حرب عسكرية مباشرة ؛ لكن وقعت حروب في العالم بسبب سياستهما، وتبعية بعض الدول لإحداهما بلغت أكثر من أربعمائة حرب إقليمية، راح ضحيتها أكثر من عشرين مليون نسمة، وفاقت خسائرها المادية خسائر الحربين العالميتين حدد الرئيس الأمريكي بوش الأب في 6 / 3 / 1991م إطار هذا النظام في خطابه الذي ألقاه أمام قوات التحالف في الكويت بعد انتصارها في حرب الخليج الثانية قائلا : " إننا نرى الآن ظهور نظام عالمي جديد. .. .، عالم تصبح فيه الأمم المتحدة بعد تحررها من الطريق المسدود للحرب الباردة قادرة على تحقيق الرؤية التاريخية لمؤسسيها، عالم تحترم فيه جميع الأمم الحرية وحقوق الإنسان " وقد ركزت وسائل الإعلام على تحليل عبارات هذا الخطاب، وجعلته جديدًا، وضخمته كأنه الأمر الواقع الذي لا مفر منه.[7][7]
لعل الرئيس بوش كان يقصد من تحقيق الرؤية التاريخية قيام وحدة عالمية تتجاوز أسباب الصراع، وتستبعد عوامل التناقض بين الشعوب. وهذا يقتضي التساؤل : علام تقوم هذه الوحدة ؟ إن كثيرًا من المفكرين والمحللين يرون أنها ستقوم على أساس سيادة النموذج الرأسمالي، ومن هؤلاء المفكر الياباني الأصل فوكوياما الذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي نهاية للتاريخ بانتصار الرأسمالية.[8][8]وحضارتها وانفرادها بالهيمنة العالمية.
وإذا صح هذا الرأي فإن الوحدة التي سيسعى إليها النظام الرأسمالي ستؤدي إلى الحيلولة دون انفراد أي حضارة سوى الحضارة الغربية الأنجلوسكسونية بهوية خاصة ومبادئ وقيم ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود ؛ لأن ترك هذا النظام مسخ الثقافات الأخرى سيدفع بالأمم إلى الحرص على استمرارها والمحافظة على عناصرها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وسيؤدي بهذه الأمم إلى أن تبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وهذا لا يعني التخلي عن الثقافة بالكلية بما تحتوي عليه من مبادئ وقيم ونظم ومفاهيم، وإنما يعني صياغة ثقافة الشعوب من جديد في نطاق وحدة ثقافية تتماشى مع عناصر الفكر الرأسمالي الغالب والمهيمن ؛ خصوصًا بعد سقوط المنافس الشيوعي العالمي، هذه الثقافة التي يراد لها أن تكون الثقافة العالمية السائدة لا تعتد بالفوارق العقدية والقيمية، ولا تأبه بالتشريع الإلهي أو الأعراف المحلية، وتسعى إلى عولمة القيم الغربية في مختلف نواحي الحياة عن طريق قسر العالم على قبول نمط هذه الحياة التي تقوم في الاعتقاد على حرية الاعتقاد، وفي الاقتصاد على النظام الحر والمنافسة الحرة والأسواق المفتوحة، وفي السياسة على النظام الديمقراطي الحديث الذي يجعل الشعوب مصدر السيادة والتشريع، وفي الاجتماع على الإباحية وإضعاف دور الأسرة، وساعد على انتشار هذه الثقافة هيمنة الدول الغربية على صياغة مواثيق المنظمات السياسية الدولية وقراراتها، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، وتحكمها في مسارها عن طريق الفيتو، واتباعها أسلوب حمل الدول ولا سيما الفقيرة على الانصياع السلمي لإستراتيجية الدوائر الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي والاتفاقية الدولية التجارية، واستغلالها للنشاط التقني والإعلامي المتعاظم لديها والذي يعد سلعة ذات جاذبية كبيرة لدى الشعوب الراغبة في مواكبة التطور العلمي الغربي السريع.
دوافع العولمة :
إذا كانت العولمة حديثة من ناحية الاصطلاح فإنها قديمة نوعًا ما من ناحية التخطيط لها والسعي لتنفيذها ؛ ذلك أن محاولة الهيمنة على الأسواق العالمية ونشر المفاهيم والقيم الغربية كانت من أهداف الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق فرض الوصاية والانتداب، وبعد الحرب العالمية الثانية عن طريق الاستعمار والتنصير والاستشراق ؛ لكن أطماعها تزايدت بعد تهيؤ الظروف الآتية
1- ظهور الثورة التقنية التي سميت بالثورة الصناعية الثالثة، وتمثلت في التقدم الصناعي الغربي الهائل، ولا سيما في مجال الاتصالات والمعلومات والفضاء والحاسب الآلي والإلكترونيات الدقيقة والهندسة الوراثية.
2 - تحرير التجارة الخارجية بين الدول عن طريق رفع القيود عن النشاط الاقتصادي وإبرام الاتفاقيات الدولية الضامنة لذلك كالاتفاقية الدولية العامة للتعريفات التجارية ( الجات ) التي سعت إلى فتح الأسواق العالمية أمام التجارة العالمية، وإزالة كل القيود والحواجز أمام التجارة الدولية.
3 - قيام الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، متنوعة النشاطات، المتميزة بضخامة نشاطها وإيراداتها ومبيعاتها، مثل شركة ( ميتسوبيشي ) وشركة ( جنرال موتورز ) وغيرها من الشركات الكبيرة التي تمتلك أرصدة ضخمة وإمكانات مادية هائلة وقوة إنتاج واسعة، فقد استطاعت هذه الشركات أن تفرض نفسها على الواقع الاقتصادي بحيث تعجز الدول من أن تحد من تأثيرها في تحقيق التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي.
4 - تنامي القوة العسكرية الغربية ولا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، وقد سبقه في عام 1989م تحول الدول الأوربية الشرقية من النظام الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الغربي، واتباعها لسياسات الانفتاح على أسواق الدول الغربية وعلى الفكر الغربي.
ولا ريب أن هذه الظروف أسهمت في إظهار الغرب على أنه قوة عالمية واحدة، تقود نظامًا جديدًا يسعى إلى نشر نمط الحياة الفكرية الغربية بكل مفاهيمها ونظمها وقيمها بين المجتمعات.[9][9]
العولمة الثقافية :
لا ريب أن الثقافة ذات خصوصية إذ إن لكل أمة من الأمم مبادئ وقيمًا ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود، فتحرص على استمرارها والمحافظة على كيانها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وتبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وحينما نستعرض سلسلة الأحداث الكبيرة التي غيرت تاريخ العالم من حروب وقيام دول وحركات فكرية ونهضات علمية نجد أنها جميعًا تهدف إلى اقتلاع فكرة وإحلال فكرة أخرى مكانها ؛ سواء أكانت الفكرة البديلة هي الأمثل أم الأسوأ، وتمثل ظاهرة العولمة في الوقت الحاضر إحدى الحلقات الجديدة في هذه السلسلة الممتدة، والتي يمكن القول بأن العولمة الثقافية أحد وجوهها وأكثرها تميزًا، وأعظمها خطرًا، وهي تعني صبغ ثقافات الشعوب المتراكمة والموروثة بصبغة ثقافة النظام الواحد عن طريق الوسائل الحديثة المستخدمة من أجل إحداث التحول المطلوب.[10][10]
وبالتحديد لتحل محلها الثقافة اللبرالية الغربية التي تأتي ثقافة الولايات الأمريكية في مقدمة دولها، وهذا ما يؤكده ديفيد روشكوبف الأستاذ في جامعة كولمبيا في قوله : " يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويج لقيمها، وفي سعيهم لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين ينبغي على الأمريكيين ألا ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم فإن أمتهم هي الأكثر عدلا والأكثر تسامحًا والأكثر حرصًا على إعادة تقييم الذات وتحسينها، وهي النموذج الأفضل للمستقبل "[11][11]
وإذا كانت العولمة عرفت بعولمة الاقتصاد فهذا يرجع إلى كون الاقتصاد أول المنافذ إلى التأثير في حياة الشعوب والأداة الضاغطة على مصالحها، ولا أدل على هذا من أن سقوط الاتحاد السوفيتي كان فشلا ذريعًا للنظام الاقتصادي الشيوعي، وهو في الوقت نفسه انتصار للاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة والأسواق المفتوحة والهيمنة على المال العالمي من خلال الشركات الكبرى ومراكز المال الدولية ؛ ويعني أيضًا انتصار الفكر الرأسمالي الذي لا يعترف بحدود جغرافية أو حواجز ثقافية، ويسعى إلى تقنين العلاقات داخل المجتمعات وبين بعضها والبعض الآخر على أساس أوضاع ثقافية تصون قوانين الرأسمالية ووجودها[12][12] ذلك أنه لا يمكن القول بأنه انتصار اقتصادي محض دون تحسب لانعكاسات الفكر الرأسمالي على الفرد والمجتمع، ذلك أن " العولمة وفقًا لرأي الناقد الأمريكي إدموند ويلسون إلى جانب كونها نسقًا اقتصاديًّا فإنها أيدلوجية تخدم هذا النسق "[13][13]
وإذا كانت العولمة الاقتصادية ظهرت من خلال إنشاء الأسواق المالية والتجارية العالمية مثل السوق الأوربية المشتركة التي أنشئت في أواخر أكتوبر عام 1991م، وبرزت عن طريق المؤسسات والشركات العالمية العملاقة عابرة القارات الخارجة عن سيطرة الدول، مثل شركة ( ميتسوبيشي ) وشركة ( جنرال موتورز ) ذات النشاط التجاري الضخم فإنها تستمد حيويتها من انجذاب العالم بأسره انجذابًا كاملا لفكر النظام الرأسمالي الحر الذي حقق أكبر نجاحاته بعد تراجع النموذج الاشتراكي، وتطبيق الدول الأوربية الشرقية الاشتراكية سابقًا لمبادئ التجارة الحرة، وهذا يعني أن العالم الذي كان مقسمًا إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي أصبح موحدًا اقتصاديًّا، مقتنعًا بالخصخصة وتحرير الاقتصاد، مؤملا بأن يجلب له توحد الشعوب في النظام الاقتصادي الرفاهية والنمو، وبل وربما السعادة الشخصية، وهذا التوجه العالمي واضح من الناحية الاقتصادية ؛ إلا أن العولمة الثقافية دون ذلك تمامًا، فهي إلى الآن لم تبلغ ما بلغته العولمة الاقتصادية من التجليات في حياة الشعوب السلوكية والتطبيقات المادية التي ترعاها المؤسسات الاقتصادية العالمية، وذلك يعود إلى أن العولمة الاقتصادية محصلة تطورات تجارية ومالية تسارعت في العقدين السبعينيات والتسعينيات من هذا القرن.[14][14]
بخلاف العولمة الثقافية التي لا تزال مستعصية في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع الإسلامي على النظام الدولي في التخلي عن ذاتيتها وهويتها الخاصة رغم محاولات الغزو الفكري القديمة التي كانت تسعى إلى تحقيق قدر من جذب الشعوب إليها عن طريق التقليد والتبعية المطلقة.
لكن لا ينبغي أن يغيب عمن كان في حالة ترقب لظاهرة العولمة أنه رغم هذا الاستعصاء فإن المرحلة القادمة من الجهود الغربية المبذولة في التحول العالمي ستتجه نحو الاهتمام بالعولمة الثقافية نظرًا للعناية المتزايدة من الدول الغربية وبعض الدول الشرقية التي تسير في ركابها كاليابان بثقافة المعلومات والمعرفة العلمية نتيجة لما تحقق من تطور صناعي سريع ومذهل في العلم وتقنية وسائل الاتصال والإلكترونيات ولا يزال، هذا التطور في وسائل الاتصال حول مسار ثقافة العولمة الغربية من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة المعلومات والمعرفة العلمية، وقد أمكن ذلك بسبب هذه الطفرات الجذرية في العلم والتقنية[15][15] الأمر الذي جعل كثيرًا من المفكرين الغربيين يحلمون ببناء إمبراطورية العصر الإلكتروني وشبكات التحكم والاتصال الجديدة التي سيصبح السوق المالي العالمي واهنًا بالنسبة إليها بفضل تقنيات المستقبل[16][16].
إن العولمة في اتجاهها الفكري " تطمح إلى صياغة ثقافة كونية شاملة، تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني، فهناك اتجاه صاعد يضغط في سبيل صياغة نسق ملزم من القواعد الأخلاقية الكونية "[17][17] وأن هذه الثقافة مهما استخدم في صياغتها من صبغة علمية ومعرفية فإنها كما يراها عبد الوهاب المسيري صيغت داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، فهي تحمل معالم هذا التشكيل، وتدور في إطار العلمانية الشاملة التي تدعو إلى إنكار القيم وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية وتطور العالم، ولا يبعد أن تكون الصفة المعرفية لهذه العولمة وسيلة للتسلل إلى أرجاء العالم من أجل بناء الهيمنة الثقافية الغربية.[18][18]
التي تسعى الدول الغربية إليها ؛ وتعمل على تحقيقها عن طريق الاتفاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها مع الدول الأخرى، والتي غالبًا ما تفرض فيها مصالحها الثقافية وسيادة قيمها على الأطراف الأخرى لكونها تمثل الطرف الأقوى، سواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية أو عن طريق المنظمات الدولية كمنظمة التجارة ومنظمة العمل الدولية، أو عن طريق المؤتمرات التي تقرر فيها القيم الغربية، وتلزم بها الدول الأخرى، وتربط الدول الغربية مساعداتها للدول الأخرى بتنفيذها، أو عن طريق وسائل الإعلام العالمية كالفضائيات وشبكة الإنترنت.[19][19]
التي تعتمد مادتها الإعلامية على تسويق الفكر الغربي ؛ لذا لا يرى الدكتور عبد الرحمن الزنيدي غرابة في أن تصبح العولمة نهجًا جديدًا للغرب يروج بشكل صريح وظاهر من خلاله قيمه ذات البعد الجسدي المادي في القضايا التي تتصل بالمرأة والأسرة والمجتمع، ومعطيات حضارته المادية الشهوانية التي تعد أشد الحضارات فسادًا في الأمور الاجتماعية، وقد تجلت بدايات هذا الترويج في قرارات مؤتمرات السكان والمرأة.[20][20]
التي عقدت في القاهرة عام ( 1994م )، وفي بكين عام ( 1995م ) باهتمام ورعاية غربية.
لعلنا لن نستطيع أن نلج في عباب هذا الموضوع المثير ذي الأمواج المتلاطمة من الآراء والأفكار قبل أن نعرف العولمة، ونتعرف على نشأتها ؛ فإن هذه المعرفة تيسر لنا إدراك حقيقة العولمة الثقافية التي نحن بصدد الحديث عنها، والوقوف على أبعادها الفكرية والاجتماعية.
تعريف العولمة :
في اللغة : كلمة عولمة مصدر قياسي على وزن ( فوعلة ) مشتق من الفعل الرباعي ( عولم ) من العالم، مثل : حوقل حوقلة، وهي كلمة تدل على التغير والتحول من حال إلى حال.
وفي الاصطلاح : العولمة مصطلح جديد، له عدة مترادفات، هي الكوكبة والكونية الشاملة.
هذا المصطلح لم يكن له وجود قبل منتصف عقد الثمانينيات الميلادية ؛ إذ أنه قبل هذا التاريخ لم يكن له حضور خاص ؛ بل إن قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة أشار إليه لأول مرة عام 1991م واصفًا إياه بأنه من الكلمات الجديدة التي برزت خلال التسعينيات، ثم إنه لو كان موجودًا فيبدو أنه لم يَسْترع أي اهتمام أو انتباه، أو أنه كان يعامل معاملة الكلمات العابرة التي لا تشير إلى مفهوم خاص أو واقع خاص ؛ لكن الحال تغير بعد التسعينيات حيث بدأ يتكون له مفهوم لم يستقر بعد، وصار من أكثر المصطلحات تناولا وتداولا ونقاشًا[1][1].
ومع هذا التداول المتزايد لا بد من الاعتراف من أن العولمة من حيث الواقع تمثل ظاهرة سياسية واقتصادية وثقافية ؛ بل واجتماعية غير محددة المعالم، وغير مجمع على صورتها، ولا مجمع على هيمنتها ؛ ولكن يراد لها أن تكون سمة هذا العصر، ومصير الشعوب، وهذا يعود إلى كونها في الأصل تواري خلفها نظامًا خفيًّا على الشعوب ؛ بل حتى على العلماء والمفكرين، هذا الخفاء هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تباين تعريفات العولمة، وتضارب الآراء حول تحديد مفهومها حتى بين أصحاب الاتجاه الواحد ؛ وقد تجاوز هذا الاختلاف صورة التعريف إلى حقيقة ما تعنيه العولمة على وجه التحديد، بالإضافة إلى سبب آخر هو كون هذه التعريفات صيغت متأثرة بانتماءات أصحابها السياسة والفكرية، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال إمعان النظر في تعريفات العولمة الآتية :
* هي : اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد، تقوده في الغالب قوة واحدة.
* أو هي بعبارة أخرى : استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم.[2][2]
* أو هي : تحويل العالم إلى قرية واحدة يتحكم فيها نظام رأسمالي واحد، يلزمها بالتخلي عن ديانتها وقيمها وحضارتها شرطًا لتحقيق النجاح في مجال تنمية الاقتصاد والسوق وجودة الأسعار.[3][3]
أو هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش[4][4]
* أو هي مصطلح لما يدار من قبل السياسات الاقتصادية والتفاعلات المالية والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين الذين يضمون دولا كبرى وشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات دولية عملاقة [5][5]
* أو هي : سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على نطاق كوني [6][6]
ومن تأمل هذه التعريفات واستقراء مدلولاتها يتبين لنا أن العولمة شاملة لكل النواحي النظرية والعملية وإن ظهرت في صورة معينة أو شكل محدد، وأنها ذات أبعاد متعددة ومستقبلية تتناول كل الشعوب، وتتجه نحو الهيمنة على المستقبل.
نشأة النظام الجديد ( العولمة ):
بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين أمريكا والاتحاد السوفييتي التي دامت أكثر من 45 سنة، وإن لم يحدث بينهما حرب عسكرية مباشرة ؛ لكن وقعت حروب في العالم بسبب سياستهما، وتبعية بعض الدول لإحداهما بلغت أكثر من أربعمائة حرب إقليمية، راح ضحيتها أكثر من عشرين مليون نسمة، وفاقت خسائرها المادية خسائر الحربين العالميتين حدد الرئيس الأمريكي بوش الأب في 6 / 3 / 1991م إطار هذا النظام في خطابه الذي ألقاه أمام قوات التحالف في الكويت بعد انتصارها في حرب الخليج الثانية قائلا : " إننا نرى الآن ظهور نظام عالمي جديد. .. .، عالم تصبح فيه الأمم المتحدة بعد تحررها من الطريق المسدود للحرب الباردة قادرة على تحقيق الرؤية التاريخية لمؤسسيها، عالم تحترم فيه جميع الأمم الحرية وحقوق الإنسان " وقد ركزت وسائل الإعلام على تحليل عبارات هذا الخطاب، وجعلته جديدًا، وضخمته كأنه الأمر الواقع الذي لا مفر منه.[7][7]
لعل الرئيس بوش كان يقصد من تحقيق الرؤية التاريخية قيام وحدة عالمية تتجاوز أسباب الصراع، وتستبعد عوامل التناقض بين الشعوب. وهذا يقتضي التساؤل : علام تقوم هذه الوحدة ؟ إن كثيرًا من المفكرين والمحللين يرون أنها ستقوم على أساس سيادة النموذج الرأسمالي، ومن هؤلاء المفكر الياباني الأصل فوكوياما الذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي نهاية للتاريخ بانتصار الرأسمالية.[8][8]وحضارتها وانفرادها بالهيمنة العالمية.
وإذا صح هذا الرأي فإن الوحدة التي سيسعى إليها النظام الرأسمالي ستؤدي إلى الحيلولة دون انفراد أي حضارة سوى الحضارة الغربية الأنجلوسكسونية بهوية خاصة ومبادئ وقيم ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود ؛ لأن ترك هذا النظام مسخ الثقافات الأخرى سيدفع بالأمم إلى الحرص على استمرارها والمحافظة على عناصرها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وسيؤدي بهذه الأمم إلى أن تبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وهذا لا يعني التخلي عن الثقافة بالكلية بما تحتوي عليه من مبادئ وقيم ونظم ومفاهيم، وإنما يعني صياغة ثقافة الشعوب من جديد في نطاق وحدة ثقافية تتماشى مع عناصر الفكر الرأسمالي الغالب والمهيمن ؛ خصوصًا بعد سقوط المنافس الشيوعي العالمي، هذه الثقافة التي يراد لها أن تكون الثقافة العالمية السائدة لا تعتد بالفوارق العقدية والقيمية، ولا تأبه بالتشريع الإلهي أو الأعراف المحلية، وتسعى إلى عولمة القيم الغربية في مختلف نواحي الحياة عن طريق قسر العالم على قبول نمط هذه الحياة التي تقوم في الاعتقاد على حرية الاعتقاد، وفي الاقتصاد على النظام الحر والمنافسة الحرة والأسواق المفتوحة، وفي السياسة على النظام الديمقراطي الحديث الذي يجعل الشعوب مصدر السيادة والتشريع، وفي الاجتماع على الإباحية وإضعاف دور الأسرة، وساعد على انتشار هذه الثقافة هيمنة الدول الغربية على صياغة مواثيق المنظمات السياسية الدولية وقراراتها، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، وتحكمها في مسارها عن طريق الفيتو، واتباعها أسلوب حمل الدول ولا سيما الفقيرة على الانصياع السلمي لإستراتيجية الدوائر الاقتصادية الدولية كالبنك الدولي والاتفاقية الدولية التجارية، واستغلالها للنشاط التقني والإعلامي المتعاظم لديها والذي يعد سلعة ذات جاذبية كبيرة لدى الشعوب الراغبة في مواكبة التطور العلمي الغربي السريع.
دوافع العولمة :
إذا كانت العولمة حديثة من ناحية الاصطلاح فإنها قديمة نوعًا ما من ناحية التخطيط لها والسعي لتنفيذها ؛ ذلك أن محاولة الهيمنة على الأسواق العالمية ونشر المفاهيم والقيم الغربية كانت من أهداف الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق فرض الوصاية والانتداب، وبعد الحرب العالمية الثانية عن طريق الاستعمار والتنصير والاستشراق ؛ لكن أطماعها تزايدت بعد تهيؤ الظروف الآتية
1- ظهور الثورة التقنية التي سميت بالثورة الصناعية الثالثة، وتمثلت في التقدم الصناعي الغربي الهائل، ولا سيما في مجال الاتصالات والمعلومات والفضاء والحاسب الآلي والإلكترونيات الدقيقة والهندسة الوراثية.
2 - تحرير التجارة الخارجية بين الدول عن طريق رفع القيود عن النشاط الاقتصادي وإبرام الاتفاقيات الدولية الضامنة لذلك كالاتفاقية الدولية العامة للتعريفات التجارية ( الجات ) التي سعت إلى فتح الأسواق العالمية أمام التجارة العالمية، وإزالة كل القيود والحواجز أمام التجارة الدولية.
3 - قيام الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، متنوعة النشاطات، المتميزة بضخامة نشاطها وإيراداتها ومبيعاتها، مثل شركة ( ميتسوبيشي ) وشركة ( جنرال موتورز ) وغيرها من الشركات الكبيرة التي تمتلك أرصدة ضخمة وإمكانات مادية هائلة وقوة إنتاج واسعة، فقد استطاعت هذه الشركات أن تفرض نفسها على الواقع الاقتصادي بحيث تعجز الدول من أن تحد من تأثيرها في تحقيق التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي.
4 - تنامي القوة العسكرية الغربية ولا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، وقد سبقه في عام 1989م تحول الدول الأوربية الشرقية من النظام الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الغربي، واتباعها لسياسات الانفتاح على أسواق الدول الغربية وعلى الفكر الغربي.
ولا ريب أن هذه الظروف أسهمت في إظهار الغرب على أنه قوة عالمية واحدة، تقود نظامًا جديدًا يسعى إلى نشر نمط الحياة الفكرية الغربية بكل مفاهيمها ونظمها وقيمها بين المجتمعات.[9][9]
العولمة الثقافية :
لا ريب أن الثقافة ذات خصوصية إذ إن لكل أمة من الأمم مبادئ وقيمًا ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود، فتحرص على استمرارها والمحافظة على كيانها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وتبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وحينما نستعرض سلسلة الأحداث الكبيرة التي غيرت تاريخ العالم من حروب وقيام دول وحركات فكرية ونهضات علمية نجد أنها جميعًا تهدف إلى اقتلاع فكرة وإحلال فكرة أخرى مكانها ؛ سواء أكانت الفكرة البديلة هي الأمثل أم الأسوأ، وتمثل ظاهرة العولمة في الوقت الحاضر إحدى الحلقات الجديدة في هذه السلسلة الممتدة، والتي يمكن القول بأن العولمة الثقافية أحد وجوهها وأكثرها تميزًا، وأعظمها خطرًا، وهي تعني صبغ ثقافات الشعوب المتراكمة والموروثة بصبغة ثقافة النظام الواحد عن طريق الوسائل الحديثة المستخدمة من أجل إحداث التحول المطلوب.[10][10]
وبالتحديد لتحل محلها الثقافة اللبرالية الغربية التي تأتي ثقافة الولايات الأمريكية في مقدمة دولها، وهذا ما يؤكده ديفيد روشكوبف الأستاذ في جامعة كولمبيا في قوله : " يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويج لقيمها، وفي سعيهم لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين ينبغي على الأمريكيين ألا ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم فإن أمتهم هي الأكثر عدلا والأكثر تسامحًا والأكثر حرصًا على إعادة تقييم الذات وتحسينها، وهي النموذج الأفضل للمستقبل "[11][11]
وإذا كانت العولمة عرفت بعولمة الاقتصاد فهذا يرجع إلى كون الاقتصاد أول المنافذ إلى التأثير في حياة الشعوب والأداة الضاغطة على مصالحها، ولا أدل على هذا من أن سقوط الاتحاد السوفيتي كان فشلا ذريعًا للنظام الاقتصادي الشيوعي، وهو في الوقت نفسه انتصار للاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة والأسواق المفتوحة والهيمنة على المال العالمي من خلال الشركات الكبرى ومراكز المال الدولية ؛ ويعني أيضًا انتصار الفكر الرأسمالي الذي لا يعترف بحدود جغرافية أو حواجز ثقافية، ويسعى إلى تقنين العلاقات داخل المجتمعات وبين بعضها والبعض الآخر على أساس أوضاع ثقافية تصون قوانين الرأسمالية ووجودها[12][12] ذلك أنه لا يمكن القول بأنه انتصار اقتصادي محض دون تحسب لانعكاسات الفكر الرأسمالي على الفرد والمجتمع، ذلك أن " العولمة وفقًا لرأي الناقد الأمريكي إدموند ويلسون إلى جانب كونها نسقًا اقتصاديًّا فإنها أيدلوجية تخدم هذا النسق "[13][13]
وإذا كانت العولمة الاقتصادية ظهرت من خلال إنشاء الأسواق المالية والتجارية العالمية مثل السوق الأوربية المشتركة التي أنشئت في أواخر أكتوبر عام 1991م، وبرزت عن طريق المؤسسات والشركات العالمية العملاقة عابرة القارات الخارجة عن سيطرة الدول، مثل شركة ( ميتسوبيشي ) وشركة ( جنرال موتورز ) ذات النشاط التجاري الضخم فإنها تستمد حيويتها من انجذاب العالم بأسره انجذابًا كاملا لفكر النظام الرأسمالي الحر الذي حقق أكبر نجاحاته بعد تراجع النموذج الاشتراكي، وتطبيق الدول الأوربية الشرقية الاشتراكية سابقًا لمبادئ التجارة الحرة، وهذا يعني أن العالم الذي كان مقسمًا إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي أصبح موحدًا اقتصاديًّا، مقتنعًا بالخصخصة وتحرير الاقتصاد، مؤملا بأن يجلب له توحد الشعوب في النظام الاقتصادي الرفاهية والنمو، وبل وربما السعادة الشخصية، وهذا التوجه العالمي واضح من الناحية الاقتصادية ؛ إلا أن العولمة الثقافية دون ذلك تمامًا، فهي إلى الآن لم تبلغ ما بلغته العولمة الاقتصادية من التجليات في حياة الشعوب السلوكية والتطبيقات المادية التي ترعاها المؤسسات الاقتصادية العالمية، وذلك يعود إلى أن العولمة الاقتصادية محصلة تطورات تجارية ومالية تسارعت في العقدين السبعينيات والتسعينيات من هذا القرن.[14][14]
بخلاف العولمة الثقافية التي لا تزال مستعصية في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع الإسلامي على النظام الدولي في التخلي عن ذاتيتها وهويتها الخاصة رغم محاولات الغزو الفكري القديمة التي كانت تسعى إلى تحقيق قدر من جذب الشعوب إليها عن طريق التقليد والتبعية المطلقة.
لكن لا ينبغي أن يغيب عمن كان في حالة ترقب لظاهرة العولمة أنه رغم هذا الاستعصاء فإن المرحلة القادمة من الجهود الغربية المبذولة في التحول العالمي ستتجه نحو الاهتمام بالعولمة الثقافية نظرًا للعناية المتزايدة من الدول الغربية وبعض الدول الشرقية التي تسير في ركابها كاليابان بثقافة المعلومات والمعرفة العلمية نتيجة لما تحقق من تطور صناعي سريع ومذهل في العلم وتقنية وسائل الاتصال والإلكترونيات ولا يزال، هذا التطور في وسائل الاتصال حول مسار ثقافة العولمة الغربية من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة المعلومات والمعرفة العلمية، وقد أمكن ذلك بسبب هذه الطفرات الجذرية في العلم والتقنية[15][15] الأمر الذي جعل كثيرًا من المفكرين الغربيين يحلمون ببناء إمبراطورية العصر الإلكتروني وشبكات التحكم والاتصال الجديدة التي سيصبح السوق المالي العالمي واهنًا بالنسبة إليها بفضل تقنيات المستقبل[16][16].
إن العولمة في اتجاهها الفكري " تطمح إلى صياغة ثقافة كونية شاملة، تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني، فهناك اتجاه صاعد يضغط في سبيل صياغة نسق ملزم من القواعد الأخلاقية الكونية "[17][17] وأن هذه الثقافة مهما استخدم في صياغتها من صبغة علمية ومعرفية فإنها كما يراها عبد الوهاب المسيري صيغت داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، فهي تحمل معالم هذا التشكيل، وتدور في إطار العلمانية الشاملة التي تدعو إلى إنكار القيم وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية وتطور العالم، ولا يبعد أن تكون الصفة المعرفية لهذه العولمة وسيلة للتسلل إلى أرجاء العالم من أجل بناء الهيمنة الثقافية الغربية.[18][18]
التي تسعى الدول الغربية إليها ؛ وتعمل على تحقيقها عن طريق الاتفاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها مع الدول الأخرى، والتي غالبًا ما تفرض فيها مصالحها الثقافية وسيادة قيمها على الأطراف الأخرى لكونها تمثل الطرف الأقوى، سواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية أو عن طريق المنظمات الدولية كمنظمة التجارة ومنظمة العمل الدولية، أو عن طريق المؤتمرات التي تقرر فيها القيم الغربية، وتلزم بها الدول الأخرى، وتربط الدول الغربية مساعداتها للدول الأخرى بتنفيذها، أو عن طريق وسائل الإعلام العالمية كالفضائيات وشبكة الإنترنت.[19][19]
التي تعتمد مادتها الإعلامية على تسويق الفكر الغربي ؛ لذا لا يرى الدكتور عبد الرحمن الزنيدي غرابة في أن تصبح العولمة نهجًا جديدًا للغرب يروج بشكل صريح وظاهر من خلاله قيمه ذات البعد الجسدي المادي في القضايا التي تتصل بالمرأة والأسرة والمجتمع، ومعطيات حضارته المادية الشهوانية التي تعد أشد الحضارات فسادًا في الأمور الاجتماعية، وقد تجلت بدايات هذا الترويج في قرارات مؤتمرات السكان والمرأة.[20][20]
التي عقدت في القاهرة عام ( 1994م )، وفي بكين عام ( 1995م ) باهتمام ورعاية غربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق